نشر الحوار الصحفي للمعهد مع صحيفة الخبير حول أزمة التحوير الوزاري

نشر الحوار الصحفي للمعهد مع صحيفة الخبير حول أزمة التحوير الوزاري

لقد شغل الجدل الذي رافق تعطيل التحوير الحكومي الأخير المهتمين بالحقل السياسي في الداخل والخارج لتتوسع دائرة الاهتمام لتشمل عموم المواطنين. « الخبير » اختارت أن تنقل لكم رأي المعهد التونسي للمنتخبين لاعتبارين هامين وهما أولا كون هذا المعهد قد سبق له تنظيم يوم برلماني حول أخلقة العمل السياسي أواخر سنة 2018 ولفت انتباه الأطراف المتدخلة في إدارة العملية السياسية إلى ضرورة احترام كل الأطراف لمبدأ وضوح المواقف حتى يكون الناخب على بينة من أمره في كل أطوار العملية السياسية  وثانيا لأنه سبق للمعهد في أنشطته الأخيرة منذ انتهج سياسة التقييم البعدي لانعكاسات النشاط التشريعي (تقييم أثر المراسيم على النشاط الاقتصادي وتطوير الإدارة ثم على احترام حقوق الإنسان وأخيرا أفاق أزمة التحوير الوزاري …) أن ركز على ضرورة استكمال عملية إرساء المحكمة الدستورية.

وفي هذا الإطار، تمت محاورة السيد غازي عبودة، الكاتب العام للمعهد.

في رأيكم، ما هو سبب انسداد الحوار بين الأطراف الثلاثة (رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة ومجلس نواب الشعب) إثر اعتزام رئيس الحكومة إدخال تحوير على تركيبته الحكومية؟

في الواقع أنّ الحوار موجود ولكنه خرج من دائرة البحث عن حل سياسي إلى طرح المشكل الدستوري بعمق فاتخذ صورة الإجراءات العملية التي تمثلت خاصة في الاستشارات والإعفاءات. لقد كان من الممكن أيجاد حل في كل مراحل عملية التحوير منذ إعلام رئيس الحكومة باعتزامه القيام بهذه العملية وحتى اتخاذه قرار تقنيا لا يُخالف الدستور في أي جانب منه لتحقيق نسبة هامة من أهداف التحوير المُزمع إجراؤه. ولكنّ عدم نجاح وساطة الاتحاد العام التونسي للشغل وربما أطراف أخرى في إقناع رئيس الجمهورية بالحل السياسي جعل الحوار ينحصر في فهم وتأويل الدستور. وللتذكير إن عدم التوصل لحل توافقي لا يعني بالضرورة انعدام الحوار الذي قد يتخذ أشكالا متعددة على نحو ما ذكرنا.

قلت كان من الممكن تفادي هذا الوضع. كيف ذلك؟

كان من الممكن ألا يقوم رئيس الجمهورية بمراسلة مجلس نواب الشعب بخصوص التحوير أو أن تُناقش المسألة بين رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة بصفة ثنائية بعيدا عن وسائل الإعلام ليتم تدارك المسألة قبل تحديد الجلسة العامة لمجلس نواب الشعب من أجل التصويت على منح الثقة، كما كان من الممكن بعد كل هذا أن يُصرح رئيس الجمهورية بالأسماء التي يتحفظ على قبول أدائها اليمين أمامه فتُستثنى من التكليف.

أفهم من جانب من كلامك أنكم ترون في طرح التحفظات أمام وسائل الإعلام تعقيدا للعلاقة بين الأطراف الثلاثة؟

من الطبيعي أن يكون لوسائل الإعلام تأثير مباشر على المواطنين وعلى الشارع الذي عادة ما ترى فيه الأطراف السياسية وسيلة للضغط أو خزانا انتخابيا للمحطات اللاحقة. وطرح مختلف المواقف المتعلقة بالتحوير الوزاري الأخير الذي بقي معطلا نسبيا مباشرة على التلفاز يوما قبل انعقاد مجلس نواب الشعب للتصويت من الطبيعي أن تستأثر باهتمام العموم لتجعل من الصعب على كل طرف التخلي عن موقفه رغم ما أبداه رئيس الحكومة من مرونة في قبوله بالمراجعة الجزئية لموقفه.

هذا لا يعني بحال تفضيلنا تغييب الإعلام عن الشأن السياسي. بل على العكس تماما، الإعلام المستقل والمجرد من البحث عن صناعة الرأي العام سلطة رقابة مباشرة على كل الأطراف.

اعتبرت رئيس الحكومة قد أبدى مرونة في موقفه. هل تقصد الاستشارات التي قام بها؟

الاستشارات موضوع آخر لا يتعلق بالمرونة بل بضمان دستورية الخطوات التي يمكن أن يقوم بها رئيس الحكومة وإن كان لي موقف من إجراء الاستشارات ومن الرد عليها.  ولكن المرونة تجسمت في الانفتاح على وساطة الاتحاد العام التونسي للشغل من جهة أولى وفي طلب الأسماء التي يتحفظ عليها رئيس الجمهورية من ناحية ثانية مما يُؤشر إلى عدم التمسك بالأشخاص عندما يكون المبرر مقنعا لتجاوز عقبة أداء اليمين الدستورية.

وبخصوص استشارة كل من المحكمة الإدارية والهيئة الوقتية لمراقبة دستورية مشاريع القوانين، ما هو موقفك؟

أبدأ باستشارة الهيئة الوقتية لمراقبة دستورية مشاريع القوانين لأشير إلى الحرص الزائد من رئيس الحكومة على البحث عن حل يتوافق مع توجهه في إطار الدستور. إذ معلوم أنّ المسألة لن تتعلق بحال بمشاريع قوانين مما يجعل هذه الهيئة غير مختصة وبالتالي فإن استشارتها من باب التزيد. وخلافا لذلك، أرى في رد المحكمة الإدارية بعدم اختصاصها طالما خرج عن نطاق ولايتها إبداء الرأي في تأويل أحكام الدستور بنص صريح ما يُثير الاستغراب. لقد تعاملت المحكمة مع النصوص بطريقة جامدة كما لو أنها لا تعلم بأن المحكمة الدستورية لم يتم إرساؤها بعد كما أنها بإنكارها لولايتها الاستشارية على الموضوع ستجعل اختصاصها الحكمي في إحراج لو تعلقت المسألة مثلا بالطعن في أوامر حكومية فردية في تسمية الوزراء المعنيين بالتحوير. فلو فرضنا أن رئيس الحكومة اتخذ أوامر فردية لتسمية أعضاء الحكومة الجدد وطعن في ذلك رئيس الجمهورية فماذا سيكون موقفها؟

كان على المحكمة أن تطرح على نفسها هذا السؤال وتتعامل على أساسه.

وما هو الحل في رأيكم للخروج من الأزمة بين رأسي السلطة التنفيذية؟

هذا يقتضي التسليم بوجود أزمة بين رأسي السلطة التنفيذية أو أنّ الأزمة هي بالأساس بين رأسي السلطة التنفيذية كما قد يذهب إلى ذلك المواطن الذي يلاحظ غلاء مستمرا في الأسعار أو الأجير الذي يتم تسريحه في إطار البطالة التقنية أو حتى مضارب البورصة التي تسهد تداولاتها انكماشا يؤثر على قيمة سنداته عند التداول. كل هذه الأطراف قد يسهل لديها إسقاط أسباب التضخم أو البطالة على مؤسسات يمثلها لديهم أشخاص معلومين لدفعهم لإيجاد الحلول بدل التعمق في تداعيات آثار جائحة كورونا أو المنوال الاقتصادي الموروث أو ثقافة التسيير التي تكاد تخلو من الإبداع القادر على تجاوز الأزمات. ولكن الحقيقة أن هذا الخلاف الذي قد يحدث في أي نظام شبيه بالنظام السياسي التونسي إنما يأتي ليُبيّن أزمة غياب المحكمة الدستورية التي تُعد حجر أساسه. ولعل في تمسك رأسي السلطة التنفيذية بموقفيهما – وهما من المختصين في القانون – يستبطن رغبة في وضع الأمور في إطارها الصحيح الذي يخدم دولة القانون والمؤسسات واحترام الدستور.

صحيح أن طول فترة الجدل وتوسع دائرة الاهتمام به لتشمل الدوائر الأجنبية قد يؤثر على صورة الدولة لدى المؤسسات المقرضة وعلى قرارات الاستثمار الخارجي المباشر أو عن طريق إيداع رأس المال  نتائج قد تظهر تداعياتها في الأشهر القادمة ولكنني أؤكد أنّ الحل الوسط لن يتقدم لا بالمنظومة السياسية بما هي منظومة تدبير أمور الناس ولا بالمنظومة الاقتصادية باعتبار حالة الحذر السائدة في العالم واعتماد كل الأطراف المستثمرة آلية قياس المخاطر المحتملة الحدوث في أي وقت. لا بد لمجلس نواب الشعب من معالجة عمق المشكل باستكمال إرساء المحكمة الدستورية.

ومن هذا المنطلق، يهم المعهد التونسي لتكوين المنتخبين دعوة مجلس نواب الشعب لاتخاذ كل التدابير الضرورية لاستكمال إرساء هذه المحكمة التي لها دور أساسي في ترشيد العملية السياسية وضمان استقرار سير مؤسسات الحكم في كنف الوضوح بعيدا عن التجاذبات. فربما لو تم تجاوز الجدل الذي اعتبره البعض أزمة بطريقة سياسية لما وقف الخاص والعام على عمق الفجوة التي يُخلفها غياب المحكمة الدستورية.

 

 

Nos partenaires internationaux:

Inscrivez-vous à notre newsletter

©2020, ITFE. All Rights Reserved

Created with TwinDev.